الأربعاء، 25 مارس 2009

شكراً

قصة قصيرة..
سأبدأ مدونتي بهذه القصة القصيرة.. محاولة لعلها تصيب الهدف.. وعلى الله قصد السبيل

شكراً..
درسوا في مدرسة واحدة.. لعبوا معاً في أزقة المدينة القديمة.. تجاوروا المنازل والبيوت..تسامروا الليالي في بيت هذا أو ذاك..
زعلوا وتصالحوا.. تصاحبوا وتنافروا.. بكوا وضحكوا..
كانوا صبية لا ينظرون أبعد من فريج ومدرسة وأزقة قديمة..
وفي سن الرشد.. وفي ليلة مقمرة حسناء.. كانوا يتسامرون في التخييم في تلك الصحراء الصافية حيث يقضون اجازتهم السنوية المعتادة..
كانت النجوم قد لمعت.. والسماء قد برقت.. والريح استقرت.. ونسمات جميلة مع لفحة من حرارة الفحم المتجمر تلامس الوجوه..
في هذه الليلة حيث تحلو احاديث الصبا والذكريات والصداقة.. جاء صوت سعد مفاجئاً: قررت يا أصدقاء أن أصبح مليونيراً.. فهل تعينونني؟
ذهل الجميع.. صمتوا للحظات صمت حبيبات التراب المشعة بأنوار النجوم والقمر الذي يزهر من بعيد..
قال أحدهم: كيف؟ نحن جميعاً لا نمك إلا القليل.. دماءنا حمراء.. وعروقنا زرقاء..
قال: لا أريد الكثير.. فقط ثلاثون ألف دينار وسأبدأ مشروعي.. وسترون نتائجه في سنوات قليلة..
كانوا لا زالوا على عهد الصبا.. فهم لا يرون إلا صديقهم والمدرسة والذكريات.. والأزقة القديمة..
بادر يوسف وقال: من منكم لا يريد لأخينا سعد ان يصبح مليونيراً؟! قالوا جميعاً: ومن لا يريد ذلك؟.. قال اذن علينا ان ندبر المال الذي طلبه..
عقدوا العزم على عمل شيء لصديقهم سعد.. ما هي إلا أيام والمبلغ بين يديه.. قال وهو يستلم المبلغ: لا أريد ان أصبح مليونيرا لنفسي فقط.. أريدكم معي.. المال ليس كل شيء..
فكانوا معه.. في حلوها ومرها.. في فشلها ونجاحها.. في أفراحها وأتراحها.. حتى كسب سعد المليون.. وجاء مستبشرا فرحا يوم ان علم ان رصيده قد تجاوز المليون ودخل نادي المليونيرية..
حضنهم جميعا.. بكى.. ضحك.. شعر بأنه مع هؤلاء الأصدقاء وكأنه يشم رائحة الأزقة القديمة التي كانوا يلعبون ويتسامرون ويفرحون ويحزنون..
شكراً.. ثم شكراً.. ثم شكراً..
*****
بعد أيام جاء يوسف زائراً لسعد في ذلك المكتب الفخم في الدور العشرين من ذلك البرج الأخضر الجميل.. قال: صديقي الحبيب احتاج الى مبلغ من المال أسد بها حاجتي..
قال سعد: أأمر عزيزي.. المبلغ الذي تريد..
خرج يوسف وبيده شيكاً بقيمة 55 ألف دينار.. لم يفكر حينها هل كانت فاتورة تدفع لعطاء سابق.. هل كانت جزء أم كل الدين السابق؟!
لم يفكر بشيء .. كنا أصدقاء وسنبقى على ذلك.. هذا كل ما خطر في بال يوسف حينها..
*****
بعد سنوات..
اجتمعت الشلّة من جديد.. فكان أحدهم يريد ان يخطوا خطوات سعد.. فجاءوا وطلبوا من سعد ان يرشدهم للطريق..
.. اخينا محمود يريد ان يصبح مليونيراً.. نريدك عونا وسنداً..
كانوا يجلسون على كراسي فاخرة في مكتب يطل من الدور العشرين على المدينة الجميلة الحديثة.. لم تعد للأزقة القديمة من أثر.. وما عادت الفرجان سوى شوارع اسفلتية جديدة..
صمت سعد برهة .. ثم قال ليوسف: ألم تأخذ مني مبلغاً لحاجتك السابقة.. هل نسيت انني انتشلتك من ورطتك السابقة.. وقدمت لك 55 ألف دينار .. هل نسيت.. لولاي لكنت في السجن .. لولاي لتعذب اولادك... لولاي... لولاي...
يوسف مرت بمخيلته شيك الـ 55 ألف دينار و الثلاثين ألف التي جمعوها ديناراً ديناراً.. والتعب.. والصداقة.. والمدرسة.. والأزقة القديمة..
قام الأصدقاء من مكانهم.. وقالوا بصوت واحد: شكراً..
غادروا ولم يعودوا أبداً الى عهد الصبا والمدرسة والفريج والأزقة القديمة..
ضياء
25/3/2009

هناك تعليق واحد:

  1. قصة رائعة تبين عمق الصداقة و المحبة
    ولكن ما ان يبدأ التغيير حتى تختفي كل المعاني الجميلة بذكرايتها

    ولكن للزمن ظروف فلابد ان نقدر الظروف

    شكرا على المدونة اساتذنا العزيز
    فمنكم نتعلم و نستفيد

    ردحذف