السبت، 28 مارس 2009

جدتي 1

كانت الساعة تقترب من التاسعة مساءً.. موعد نوم جدتي كل يوم..
افترشنا السطح.. كنت مستلقياً بجانب جدتي في ذلك البيت العتيق.. مساحته لا تزيد على المائة متر.. فيه سرداب ودور ارضي يتطرفه حوض تنبع منه الماء من بئر عميقة.. وغرفة جدتي ذات الإطلالة الساحرة على باحة البيت..
في الصيف كنا ننام الليل في السطح.. نقوم قبل المغرب برش السطح بالماء حتى يطيب الهواء ويساعدنا ذلك على النوم في تلك الأيام الحارة حدّ القيظ نهاراً والمعتدلة بعض الشيء مساءً..
السماء صافية صفاء النبع يفيض زلالاً.. والنجوم تتزاحم وكأنها في عرض كوني مهول.. هذا الصفاء وهذا الجمال الكوني لا يضاهيه شيء.. ولعلنا اليوم لا يمكن أن نعود إليه ابدأ.. فلم تكن حينها أدخنة المصانع ومحروقات النفط وعوادم السيارات تتغشى السماء فتجعلها مصفرة مغبرة تكاد تطفئ النجوم وتكسف القمر في بدره..
الليلة هي نوبتي حيث نتقاسم الليالي مع اخوتي وأخواتي للبيات عند الجدة الوحيدة.. حيث تطرفت في العمر وفقدت الكثير من بصرها وداهمتها الامراض.. ولكنها كانت عذبة الروح.. حلوة المعشر.. كلمتها وألف سيف..
قبل ان تغمض جفوني سألتني: حبيبي، ماذا تتمنى ان تحصل عليه؟
كان عمري في الحادية عشر تقريباً..
قلت مسرعاً: راديو..
قلت ذلك وكأنني طعنتها بخنجر.. فقد كانت جدتي متدينة ومتفقهة.. فهي ابنة مرجع ديني كبير في مدينتي المقدسة..
انتفضت غاضبة وقالت: هل تريد سماع الأغاني والموسيقى.. ما هذه الأمنية يا ولد..
لم اجب شيئاً ونمت على تلك الكلمات القاسية التي سمعتها.. فلم افهم منها شيئاً.. لماذا كنت اريد اقتناء جهاز مذياع.. لا أدري.. لماذا نهرتني جدتي بقساوة.. لا أدري..
كل ما أدريه إنني صرت عاشقاً للقلم والتلفاز والإعلام.. أصبحت إعلاميا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق